إن الاستثمار في البنية التحتية المصرية يمثل قوة دافعة ضخمة للنظام الاقتصادي المصري في العقد الأخير سواء عبر الاستثمارات الحكومية أو الخاصة، منذ تولي فخامة رئيس الجمهورية قيادة الدولة أولى سيادته اهتمام خاص بملف تحديث البنية التحتية بما يلبي تطلعات الشعب المصري في الحصول على حياة كريمة ويخدم في الآن نفسه الحاجات والمتطلبات اللازمة لتشجيع الاستثمار والتجارة والصناعة.
شهدت مصر قفزات ضخمة في تصنيف بنيتها التحتية بما جعلها قبلة الاستثمارات في قارة إفريقيا ويشمل ذلك تحسين ترتيبها في ملف الطرق والإنترنت والموانئ البحرية والموانئ الجوية وحتى سكك الحديد وخطوط النقل الصديقة للبيئة.
الاستثمار في البنية التحتية المصرية
على مدار السنوات الأخيرة استثمرت الحكومة المصرية بكثافة في مشاريع البنية التحتية حيث أتاحت هذه المشاريع فرص لتوليد مصادر الدخل وتخفيض نسبة البطالة ورفع مستوى الأمن الاجتماعي وتحسين جودة الحياة.
مصر دولة يبلغ عدد سكانها 116 مليون نسمة 2024 وهي ثالث أكبر دولة من حيث عدد السكان في القارة الأفريقية والأكبر في المنطقة العربية ويعني نموها السكاني بنسبة 1.75% سنويا زيادة قدرها مليوني نسمة تقريبا.
يبلغ متوسط العمر في مصر ٢٤ عاما وهو أقل بـ ١٤ عام من متوسطه في دول مثل الصين والولايات المتحدة، ونتيجة لذلك تشهد القوى العاملة المصرية نمو سريع حيث تصنف مصر بالفعل ضمن أكبر ٢٠ دولة عالميا من حيث القوى العاملة “٣٣ مليون نسمة”، وتأثير هذه الشريحة السكانية الشابة على الاستثمار في البنية التحتية له جانبان هما:
- زيادة عدد السكان العاملين مقارنة بإجمالي السكان تزيد من النشاط الاقتصادي ما يخلق طلب متزايد على مرافق البنية التحتية.
- يحتاج الاقتصاد المصري وحكومته إلى الاستثمار لدفع عجلة خلق فرص العمل
لذلك تولي الحكومة المصرية أولوية قصوى لمشاريع الاستثمار في البنية التحتية المصرية
الاستثمار الحكومي في مشاريع البنية التحتية في مصر
شهدت مصر عبر حكومتها استثمارات كبيرة في مشاريع البنية التحتية ففي عام ٢٠٢٤ سجلت مصر مشاريع بنية تحتية بقيمة ٨٥ مليار دولار، وبلغ إجمالي المشاريع الحكومية ١٨٧ مليار دولار متصدرة بذلك أفريقيا وبفارق كبير عن أقرب منافسيها “جنوب أفريقيا ١٢٠ مليار دولار”.
لكن من جهة أخرى تزايد الدين الحكومي بمعدلات مرتفعة خاصة في ظل تراجع القيمة المحلية للجنيه وارتفاع الفائدة على الدولار ووجود تهديدات جيوسياسية في البحر الأحمر والحدود الشرقية للدولة، في عام ٢٠٢٣ بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر 96%، مقارنةً بـ88.5% في عام 2022 وهو ما أثر على قدرة الدولة في الاستثمار في البنية التحتية المصرية والوصول إلى معدلات التنمية والاستثمار المحلي التي تطمح إليها.
الشراكة مع القطاع الخاص
تتطلع الحكومة إلى مشاركة القطاع الخاص في الاستثمار في البنية التحتية المصرية وتنفيذ مشاريع بنية تحتية تتجاوز قيمتها 3.2 مليار دولار أمريكي من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتشمل هذه المشاريع 15 محطة تحلية مياه باستثمارات إجمالية تبلغ 3 مليارات دولار أمريكي ومحطة معالجة مياه صرف صحي في مدينة السادس من أكتوبر بتكلفة 95 مليون دولار أمريكي الأسبوع القبل ومركز خدمة للمستثمرين بتكلفة 10 ملايين دولار أمريكي و22 مدرسة في جميع أنحاء البلاد بقيمة 60 مليون دولار أمريكي.
قطاع النقل والخدمات اللوجستية
قطاع النقل واحدا من أهم القطاعات التي حرصت الدولة المصرية على تطويرها بشكل شامل وضخ استثمارات ضخمة فيها عبر الاستثمار في البنية التحتية المصرية لإنشاء شبكة مرافق حيوية تربط كل مناطق الدولة بما يعزز حركة التجارة والصناعة فيها.
ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع النقل إلى 139.6 مليون دولار أمريكي في الربع الثاني من السنة المالية 2023/2024 بما يمثل علامة إيجابية للغاية ويشير إلى الثقة المتزايدة من المستثمرين الأجانب في إمكانيات النمو في هذا القطاع الحيوي.
تظهر المؤشرات الأخرى قوة البنية التحتية للنقل في مصر وتنوعها:
- الموانئ البحرية والتي يبلغ عددها 55 ميناء على البحر الأحمر والمتوسط حيث تستطيع مصر استقبال أكثر من 14 ألف سفينة وتداول 181 مليون طن من البضائع.
- قناة السويس شريان حيوي للتجارة العالمية، تبلغ عائداته السنوية 6.6 مليار دولار أمريكي ما يؤكد على أهمية الموقع الاستراتيجي لمصر.
- خدمات النقل الجوي تشمل وجود 23 مطار واستقبال 38.2 مليون مسافر.
- تتجاوز شبكة الطرق 165 ألف كم وهو تلعب دور حاسم في حركة نقل البضائع.
- السكك الحديدية والمترو والكهرباء والتي تشهد تطورات ملحوظة في ظل دمج شبكة سكك حديدية جديدة وتوسيع خطوط المترو في المدن الكبرى وإنشاء قطار كهربائي عالي السرعة وشبكة النقل بالسكك الحديدية الخفيفة ما يساهم في تحسين التنقل وتقليل الازدحام.
قطاع الإنشاءات في مصر
تقدر قيمة السوق الحالي بـ 55 مليار دولار أمريكي “عام 2025” ومن المتوقع أن يصل سوق البناء المصري إلى 82.3 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 8.39% وهي بذلك تحتل المركز الثالث كأكبر سوق للمشاريع في المنطقة بعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
يعد مشروع رأس الحكمة، الذي تقدّر تكلفته بحوالي 35 مليار دولار أمريكي، واحدًا من أبرز المشاريع الكبرى التي تدعم التوقعات الإيجابية لنمو القطاع، ففي مطلع عام 2024، منحت الحكومة شركة ADQ حقوق تطوير منطقة رأس الحكمة الواقعة على الساحل الشمالي، والتي تمتد على مساحة تبلغ نحو 170 مليون متر مربع، بهدف تحويلها إلى مدينة من الجيل الجديد، ومن المخطط أن يشمل المشروع مناطق سياحية، وعمرانية، وتجارية، وترفيهية، بالإضافة إلى منطقة حرة وأخرى مخصصة للاستثمارات.
قطاع الطاقة المتجددة
تمثل الطاقة المتجددة ركيزة أساسية في استراتيجية الاستثمار في البنية التحتية المصرية لتحقيق النمو المرتقب، وفي هذا الإطار تقوم شركة أكوا باور السعودية، المتخصصة في تطوير مشاريع الطاقة المتجددة، بإنشاء مزرعة رياح في مصر بقدرة 10 جيجا واط، يتوقع أن تكون من بين الأكبر على مستوى العالم، كما تعتزم شركة “سكاتك” استثمار 5.7 مليار دولار أمريكي في تطوير مزرعة رياح أخرى بقدرة 5 جيجا واط.
تتطلع الحكومة إلى جذب 34 مليار دولار أمريكي من استثمارات الطاقة المتجددة خلال الفترة 2026-2027 كما تسعى إلى رفع استثماراتها الخضراء إلى 75% من إجمالي إنفاقها الاستثماري بحلول عام 2030 حيث تهدف أن يسهم الاقتصاد الأخضر بما لا يقل عن 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
تابع المزيد: ما هو الاستثمار؟
الاستثمار في الهيدروجين الأخضر
في سياق تعزيز الاستثمار في البنية التحتية، تقوم الخطة الطموحة لمصر على استهداف حصة تتراوح بين 5% و8% من سوق الهيدروجين الأخضر العالمي بحلول عام 2040، مستفيدة من مجموعة من المزايا الاستراتيجية التي تميز موقعها وإمكاناتها والتي تتمثل في الآتي:
- أشعة الشمس الوفيرة.
- إمكانات الرياح العالية.
- الموقع الجغرافي الملائم القريب من الأسواق الأوروبية.
في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ لعام 2023 (COP27) كشفت مصر رسميا عن استراتيجيتها لإنتاج الهيدروجين الأخضر والتي تهدف إلى تعزيز ناتجها المحلي الإجمالي بما يصل إلى 18 مليار دولار أمريكي وخلق 100000 فرصة عمل بحلول عام 2040 من خلال تطوير الهيدروجين الأخضر.
وقد وقعت الحكومة أكثر من 20 مذكرة تفاهم مع شركاء دوليين لتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر، والتي يتركز الكثير منها في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس (SCZone) والتي تستضيف 15% من التجارة البحرية في العالم بما يجعلها الموقع المثالي لتكون بمثابة مركز لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر ومشتقاته مثل الأمونيا والميثانول ذات الأهمية الخاصة لصناعات مثل الشحن والتسميد.
تسعى مصر لتحفيز الاستثمار في البنية التحتية المصرية عبر الترويج لإمكانياتها الضخمة في ملفات الطاقة النظيفة بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار في منطقة قناة السويس الإقتصادية والتي تعد همزة الوصل في حركة التجارة العالمية.