تباينت آراء خبراء الاقتصاد حول سياسات التعويم وقرارات الفائدة في البنك المركزي التي قامت بها الدولة في محاولاتها لإحداث التوازن المطلوب في الاقتصاد المحلي بعد الأزمات المتلاحقة التي أدت إلى تأثيرات عديدة سواء على المستوى الاجتماعي للمواطنين أو على القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وأوضحت أغلب الآراء أن التعويم هو سلاح ذو حدين له كثير من الإيجابيات إلى جانب سلبياته وأن مهمة الحكومة هي إدارة توابع هذا القرار بشكل جيد يضمن تخطي الأزمة الاقتصادية بسلام.
التعويم وقرارات الفائدة في البنك المركزي
جاءت قرارات البنك المركزي عقب اتخاذ الدولة قرار تحرير الصرف معاكسة لتوقعات الخبراء الاقتصاديين، إذ اتخذ المركزي قراره برفع سعر الفائدة في البنوك تحفيزا للمواطنين على سحب ادخاراتهم وإيداعها في البنوك، مما يؤدي إلى توفير حجم ضخم من السيولة المالية المطلوبة لاستيراد السلع وأيضا تسيير النشاطات الاستثمارية في الدولة.
وعلى الجانب الآخر فقد جاءت هذه القرارات متوافقة مع شروط صندوق النقد الدولي للموافقة على منح قرض لمصر يغطي تنفيذ الإصلاحات المطلوبة في الدولة.
سياسات البنك المركزي لمواجهة آثار التعويم
كان من بين القرارات التي اتخذها البنك المركزي لمواكبة التأثيرات التي نتجت عن تطبيق التعويم وقرارات الفائدة في البنك المركزي والحد من هذه التأثيرات هو التنسيق بين السياسات المالية والنقدية التي تساعد في تحقيق التوازن الاقتصادي المطلوب والقدرة على توفير الاحتياطات اللازمة لتغطية احتياجات الدولة، وذلك باتباع ما يلي:
- القضاء على السوق الموازية مما يؤدي إلى خفض سعر العملات الأجنبية في مقابل الجنيه مما يحد من التضخم ويعمل على تقييد ارتفاع أسعار السلع.
- رفع أسعار الفائدة وإصدار الشهادات ذات العائد المرتفع والذي يساعد في جذب المدخرين والحصول على حجم سيولة كبير يسهم في تأمين السلع المستوردة اللازمة.
- إعادة تقييم معدلات التضخم المستهدفة والتي يقوم بتحديدها المركزي في ضوء التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.
- الإبقاء على سعر فائدة بواقع 600 نقطة أساس حتى ينخفض معدل التضخم إلى المستوى المستهدف في المستقبل.
- الحفاظ على استقرار الأسعار على المدى المتوسط من خلال توحيد سعر الصرف بين سوق العملات الرسمية والسوق الموازية أو ما يطلق عليه السوق السوداء في محاولة لتخفيض سعره إلى الحد المناسب لشراء السلع المستوردة، وأيضا التقليل من الطلب وسد الفجوة الموجودة مما يحقق الاستقرار الاقتصادي المطلوب.
- رفع سعر الفائدة على القروض بالتزامن مع رفع سعر الفائدة على الادخار.
آراء متباينة حول التعويم وسعر الفائدة
في ظل التخبطات الكبيرة التي يعاني منها الاقتصاد المصري على مدار السنوات الأخيرة والذي جاء جانب كبير منه نتيجة التأثر السلبي بالأحوال الاقتصادية العالمية فقد تباينت آراء المختصين في مجال الاقتصاد بين مناهض لسياسات التعويم وقرارات الفائدة في البنك المركزي التي قامت بها الدولة مؤخرا، وبين مؤيدين لهذه القرارات.
وقد رأى البعض أن هذه القرارت كانت صائبة وسوف تحقق نتائج إيجابية بشأن تضييق حجم الفجوة بين سوق الصرف الرسمية والسوق السوداء، فقد كان سعر الصرف للدولار في البنوك حوالي 30 جنيه، في حين كان سعره في السوق السوداء يتجاوز 50 جنيها، وبالتالي فإن سياسة التعويم من شأنها إحداث التوازن المطلوب.
وأضاف الخبراء أن هذه القرارات سوف تؤدي إلى تحجيم الأسعار والحد من التقلبات الحادة فيها والتي نتجت عن تسعير معظم السلع والخدمات بالدولار مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير.
معارضون لسياسات التعويم
على الجانب الآخر يرى المعارضون أن هذه السياسات لا تحمل أي جدوى، ويتوقعون أن هذه السياسات ما هي إلا نتيجة عدم امتلاك البنك المركزي الاحتياطي النقدي الكافي لتغطية قيمة السلع المستوردة وأنه على الحكومة أن تسعى إلى اتخاذ سياسات نقدية ومالية مدروسة بدلا من هذه القرارات من شأنها معالجة مشكلة السوق السوداء من خلال توفير حجم أكبر من العملة الأجنبية خاصة الدولار حتى تقلل العجز الحالي الذي أدى إلى ارتفاع سعره بشكل كبير.
تداعيات قرار المركزي بتعويم الجنيه
على الرغم من تأكيد البنك المركزي على صحة قراراته بشأن التعويم وقرارات الفائدة في البنك المركزي إلا أن هناك العديد من التداعيات التي ظهرت بوضوح وظهر أثرها ليس فقط على المواطنين والمستوى الاجتماعي والمعيشي، ولكن أيضا على الأسواق المالية المختلفة، لا سيما مع التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري منها وجود حرب غزة وحرب روسيا وأوكرانيا التي استمرت لسنوات وأثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، مما أدى إلى وجود عراقيل كثيرة تحد من تحقيق الخطط الاستراتيجية التنموية المستهدفة، وكان من أبرز التداعيات ما يلي:
ارتفاع معدلات البطالة
معدلات البطالة المرتفعة ومعاناة الكثير من الفئات في سن العمل من عدم وجود فرص حقيقية للعمل داخل قطاعات الدولة المختلفة، وقد أدى ذلك إلى ظهور الكثير من المشكلات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
زيادة التضخم
تدني المستوى المعيشي نتيجة الارتفاع الحاد في أسعار السلع وارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير يفوق القدرة على معالجته والذي لا يقابله زيادة عادلة في مستوى الأجور والمرتبات، مما أدى إلى عدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية على مستوى الأشخاص، ومن ناحية أخرى تحقيق خسائر كبيرة لأصحاب المشروعات ومنتجي السلع بسبب انخفاض القوة الشرائية لدى المواطنين.
تراجع حجم الاستثمارات
نتيجة عدم الإقبال الكبير على شراء السلع والخدمات فقد أدى ذلك إلى خروج الكثير من المستثمرين من السوق وتصفية الكثير من المصانع والشركات مما أدى إلى زيادة الركود الاقتصادي، وبالتالي تخفيض حجم الاستثمارات في الدولة وبطء عجلة التنمية المستدامة.
التأثير السلبي على البورصة
نتيجة اتخاذ الدولة قرارات التعويم وقرارات الفائدة في البنك المركزي فقد أدى ذلك إلى سحب المستثمرين الصغار في البورصة أموالهم منها وتوجيهها إلى البنوك وشراء الشهادات ذات العائد المرتفع أو التوجه إلى الادخار وتجميد الأموال في ودائع مما أدى إلى تقليل حجم السيولة المتاحة في البورصة، وبالتالي إلى تقليل حجم الاستثمار وتراجع قيمة الأسهم وتخفيض حجم التداول.
التأثير على سوق الذهب
لم يسلم سوق الذهب أيضا من التداعيات التي نتجت عن تطبيق سياسات التعويم وقرارات الفائدة في البنك المركزي، حيث أدى رفع سعر الفائدة إلى الإحجام عن شراء الذهب بشكل كبير بل وتفضيل البعض البيع للحصول على السيولة اللازمة وتوجيهها إلى الادخار في البنوك، مما أدى إلى زيادة العرض في مقابل الطلب وإحداث فجوة كبيرة.
انخفاض الاحتياطي النقدي
كانت مصر قد شهدت ارتفاع كبير في قيمة الاحتياطي النقدي التي كانت في بداية 2020 لا تتجاوز 34 مليار دولار وقفزت بعدها حتى وصلت إلى حوالي 40 مليار دولار، ووفقا لإحصاءات البنك المركزي وبعد تطبيق سياسات التعويم وقرارات الفائدة في البنك المركزي فإن هذا الاحتياطي عاود الانخفاض مرة أخرى بشكل كبير حتى وصل إلى حوالي 35 مليار دولار مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد ككل.
يمكن القول أن اتخاذ قرارات التعويم وقرارات الفائدة في البنك المركزي كان له الكثير من التأثيرات السلبية التي فاقت بكثير النتائج الإيجابية على الأقل على المدى القصير، ولذلك يرى خبراء الاقتصاد أن على الحكومة الخروج من هذا المأزق بأسرع وقت ممكن.