في ظل التحولات الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، باتت السندات الإسلامية السعودية من أبرز وسائل التمويل التي تعتمدها الدولة والقطاعات الخاصة على حد سواء، فإصدار هذه السندات يشكل حلقةً مهمة في تعزيز تمويل المشاريع التنموية المرتبطة بـ رؤية 2030، وتنويع مصادر الدخل، وفتح آفاق جديدة أمام المستثمرين المحليين والدوليين، وفي السطور التالية سنقف على مفهوم السندات الإسلامية السعودية، مميزاتها، إصداراتها، القوانين المنظمة لها، فرصها، تحدياتها، ثم توصيات للمستثمرين.
السندات الإسلامية السعودية (الصكوك)

السندات الإسلامية السعودية الصكوك الإسلامية هي أدوات مالية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، تمثل حصة في أصل ملموس أو مشروع استثماري أو نشاط تجاري يدر دخلاً، وتعد بديلاً شرعياً للسندات التقليدية التي تعتمد على الفوائد المحرمة في الإسلام، وتصدر الصكوك من قبل الحكومات أو الشركات لتمويل مشروعات محددة، ويمنح مالك الصك حقاً مشتركاً في ملكية أصل أو منفعة، وليس ديناً كما هو الحال في السندات، وتوزع الأرباح على حملة الصكوك بنسبة مشاركة، وفقاً لما تحققه الأصول الممولة من إيرادات.
الفرق بين الصكوك الإسلامية والسندات التقليدية
في ظل تنامي الحاجة إلى أدوات تمويل تتماشى مع القيم الإسلامية، أصبح من الضروري فهم ما هي الصكوك الإسلامية وكيف تختلف عن الأدوات المالية التقليدية، وخاصة السندات، فبينما يتجه المستثمرون نحو حلول شرعية ومستدامة، تبرز الصكوك الإسلامية كخيار متوافق مع أحكام الشريعة، يعتمد على الملكية الفعلية والمشاركة في الأرباح والخسائر، بخلاص السندات التي ترتكز على الفائدة وتفتقر إلى الارتباط المباشر بالأصول ومن ابرز الفروقات بين ماهي السندات الإسلامية السعودية والسندات التقليدية:
- السندات الإسلامية تمثل ملكية فعلية في أصل أو مشروع أو منفعة، و السندات التقليدية تمثل التزاماً بالدين (قرض) على الجهة المصدرة، دون أي ملكية في الأصل.
- العائد المالي يعتمد العائد في السندات الإسلامية على أرباح المشروع أو الأصل المملوك، وقد يتغير حسب الأداء، وفي السندات التقليدية يقدم عائداً ثابتاً على شكل فائدة (ربا) مهما كانت نتائج المشروع.
- المخاطرة يتحمل المستثمر في الصكوك الإسلامية جزءاً من المخاطر لأنه شريك في المشروع، أما في السندات التقليدية لا يتحمل المستثمر المخاطر، بل يحصل على فائدة حتى لو خسر المشروع.
- الامتثال للشريعة الصكوك الإسلامية تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية وتحظر الربا والمضاربة المحرمة، والسندات التقليدية لا تخضع للضوابط الشرعية وغالباً تعتمد على الربا.
- استخدامات التمويل تستخدم غالباً الصكوك الإسلامية لتمويل مشاريع حقيقية أو شراء أصول ملموسة، وتستخدم السندات التقليدية لتمويل الأنشطة العامة دون اشتراط وجود أصل محدد.
اقرأ المزيد: كيفية تنويع المحفظة الاستثمارية السعودية
مزايا وعيوب الصكوك الإسلامية
مع تزايد الاهتمام بالتمويل الإسلامي، يتساءل الكثيرون عن ماهية الصكوك الإسلامية وما الذي يميزها عن غيرها من أدوات الدين، فهذه الصكوك ولا سيما السندات الإسلامية السعودية، لا تعد مجرد بديل شرعي للسندات التقليدية، بل تتميز بخصائص فريدة تجعلها خياراً جذاباً لفئات متعددة من المستثمرين والمؤسسات، ومع ذلك فإنها تواجه بعض التحديات التي تتطلب دراسة دقيقة وإدارة فعالة:

مزايا الصكوك الإسلامية
- التوافق مع الشريعة الإسلامية، تخلو من الفوائد الربوية، وتعتمد على الأصول والأنشطة الحقيقية.
- الشفافية يتم الإفصاح عن تفاصيل الأصول والجهة المصدرة، مما يعزز الثقة.
- تنوع الصيغ الشرعية يمكن إصدار الصكوك بصيغ متعددة مثل الإجارة، المشاركة، والمضاربة مما يمنح مرونة أكبر.
- جذب الاستثمارات الإسلامية تجذب شريحة كبيرة من المستثمرين بين الباحثين عن منتجات مالية شرعية.
عيوب الصكوك الإسلامية
- التكلفة العالية للإصدار نظراً لتعقيد الهيكلة الشرعية والقانونية مقارنة بالسندات.
- نقص الوعي والمعرفة مازالت الصكوك بحاجة إلى مزيد من التوعية لدى بعض المستثمرين.
- التحديات التنظيمية تختلف الأطر التنظيمية والرقابية من بلد لأخر، ما قد يعقد عمليات الإصدار أو التداول.
أنواع و إصدارات السندات الإسلامية السعودية
يمكن تقسيم السندات الإسلامية السعودية إلى عدة أنواع حسب جهة الإصدار، العملة، نوع العائد، ومدة الاستحقاق، وفيما يلي أبرز التصنيفات:
حسب جهة الإصدار
إصدار حكومي مباشر: مثل الصكوك التي تصدرها الحكومة السعودية أو مركز الدين الوطني.
إصدار من شركات أو جهات شبه حكومية أو مملوكة للدولة: مثل إصدار أرامكو السعودية صكوك متوافقة مع الشريعة.
حسب العملة
مقومة بالريال السعودي: برنامج الإصدار بالريال السعودي.
مقومة بالعملة الأجنبية (دولار، يورو): الإصدارات الدولية التي تسمح بجذب مستثمرين عالميين.
حسب نوع العائد
عائد ثابت لمستثمر: تدفع دفعات دورية ثابتة. البنك العربي يشير إلى “دفع أرباح ثابتة مرتين في السنة”.
عائد مشاركة أو دخل من الأصل المملوك: في بعض هياكل الصكوك، العائد يستمدّ من الربح الناتج من الأصل المملوك.
شاهد أيضًا: السندات السيادية السعودية بالدولار
كيفية إصدار وتداول السندات الإسلامية السعودية

لكي نستوعب آلية عمل السندات الإسلامية السعودية، نحتاج أن ننظر إلى خطوات الإصدار والتداول، إصدار السندات الإسلامية السعودية، تحديد الجهة المصدرة حكومية أو خاصة وشروط الإصدار، وإعداد نشرة الإصدار أو مذكرة المعلومات التي تتضمن هيكل التمويل، نوع الأصل، الحقوق، مدة الاستحقاق، العائد، وآلية الشريعة مثلاً، برنامج الإصدار بالريال السعودي يتضمن مذكرة معلومات محدثة، طرح الإصدار للمستثمرين المحليين أو دوليين. في إحدى الحالات السعودية تمّ استلام عروض لإصدار صكوك على شريحتين،
تسجيل الإصدار في السوق المعنية أو لدى الجهة المالية المختصة، والإعلان للمستثمرين.
التوقعات المستقبلية لـ السندات الإسلامية السعودية
إن السندات الإسلامية السعودية تقف اليوم عند مفترق طريق واعد، والتوقعات تشير إلى ما يلي:
- زيادة في إصدارات الصكوك الحكومية السعودية، خاصة مع الحاجة إلى تمويل المشاريع الضخمة المرتبطة بـ رؤية 2030.
- ارتفاع الطلب من المستثمرين الدوليين على السوق السعودي لأدوات الدين، ما يعزز سيولة السوق ويخفض تكلفة التمويل.
- إمكان إدراج المملكة أو أدوات دين سعودية ضمن مؤشرات عالمية للسندات، ما يجذب تدفقات أكبر.
- التطور في هياكل الصكوك لتصبح أكثر ابتكاراً، وربما مزيد من الطروحات الرقمية أو أدوات صكوك مدعومة بأصول جديدة.
- تحديات بيئية وتنظيمية قد تبرز، لذا على الجهات المصدِرة والمستثمرين أن يكونوا مستعدين للتعامل معها.
لماذا أصدرت المملكة السندات الإسلامية؟
الدافع الذي جعل المملكة تعتمد السندات الإسلامية السعودية كأداة تمويل يمكن تلخيص الدوافع في تنويع مصادر التمويل الحكومي فالاعتماد على النفط وحده لا يكفي في عصر التحول الاقتصادي، لذا أصبحت المملكة تلجأ إلى أسواق الدين ومن ضمنها الصكوك، توفير بديل شرعي للمستثمرين المسلمين بما أن الفائدة المرتبطة بالسندات التقليدية لا تتوافق مع الشريعة، فإن السندات الإسلامية السعودية توفر خياراً مقبولاً شرعاً، جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية عبر إصدار صكوك دولية وعربية، توسع المملكة قاعدة المستثمرين، وتحسن تصنيفها وتمكنها من التمويل بأسعار تنافسية، على سبيل المثال، المملكة جمعت في إصدار دولي نحو 5.5 مليار دولار من سندات إسلامية في عام 2025، تمويل مشاريع التحول الوطني مثل مشاريع تحت مظلة رؤية 2030، البنى التحتية، الطاقة، وغيرها، ما يجعل السندات الإسلامية السعودية أداة محورية، تعزيز السيولة في السوق المحلية بتوسيع أدوات الدين المحلية، توفر المملكة فرصاً أكبر للمستثمرين وتحسن من عمق سوق أدوات التمويل.
في الختام تعد السندات الإسلامية السعودية، أداة تمويلية مهمة في الاقتصاد السعودي، تجمع بين التوافق الشرعي والتمويل التنموي، وتفتح افاقاً واعدة للمستثمرين ومع ذلك، فإن النجاح في هذا المجال يتطلب فهماً دقيقاً للهيكل، المخاطر، والفرص، وتخصيصاً سيلماً ضمن المحفظة، إذا ما استخدمت بحرفية، فإن السندات الإسلامية السعودية يمكن أن تكون رافعة حقيقية للمستثمر ولكل من يرغب في الدخول إلى السوق السعودي لتمويل المستقبل.
أسئلة شائعة
هل يمكن تداول الصكوك الإسلامية في الأسواق المالية الثانوية؟
نعم يمكن تداول العديد من أنواع الصكوك الإسلامية في الأسواق الثانوية، شريطة أن تمثل الصكوك ملكية حقيقية في أصول قائمة وليست ديوناً أو نقوداً فقط.
ما مدى أمان الاستثمار في الصكوك الإسلامية مقارنة بالأسهم؟
الصكوك الإسلامية تعد أقل تقلباً من الأسهم، نظراً لارتباطها غالباً بأصول ثابتة أو مشاريع محددة، ورغم انها لا تضمن عوائد ثابتة، إلا أنها تقدم مستوى أعلى من الأمان خاصة إذا كانت مضمونة بأصول حقيقية وصدرها جهات ذات ملاءة مالية قوية.




