إن تقييم العملة المصرية في ظل السياسات النقدية الحالية للدولة المصرية يعطي صورة شاملة عن مدى قدرة الاقتصاد المحلي على مواجهة التحديات الاقتصادية القادمة، والتي تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم العالمية، بسبب آثار الأحداث الجيوسياسية الاستثنائية التي يمر بها العالم، في فترة اشتعلت بها الكثير من الصراعات التجارية والإقليمية العسكرية.
وهذا ما يشكل الكثير من العقبات أمام الاقتصاد المصري، الذي ظل لعقود يعتمد بشكل أساسي على الاستيراد من الخارج، لسد حاجة السوق المحلي، واليوم تحاول الحكومة المصرية جاهدة أن توازن بين الصادرات والواردات، عن طريق تصدير كل ما يمكنها تصديره من الإنتاج المحلي، لدعم استقرار الجنيه في ظل تقلبات السوق العالمي العنيفة.
تقييم العملة المصرية في ظل السياسات النقدية
نجحت الحكومة المصرية نسبياً في خفض المخاطر الاقتصادية وتحسين أوضاعها المالية، عبر مجموعة من التفاهمات والاتفاقات التجارية والتمويلية، مع البنك الدولي ومجموعة من الشركاء، مما سمح لها بالحصول على تمديد خطتها التمويلية مع البنك الدولي، مما عزز من سياسة جذب الاستثمارات الأجنبية، عن طريق خفض قيمة الجنيه، وخفض ضغوط التمويل.
حيث إن حجم الدعم المالي الذي حصلت عليه مصر من استثمارات الإمارات العربية المتحدة في الفترة الأخيرة، على خلفية مشروع جزيرة رأس الحكمة، من شأنه أن يخفض التوترات الاقتصادية والتقلبات الحادة في أسعار صرف الجنية المصري مقابل الدولار، على الأمد القريب، حيث مكنت تلك الخطط التمويلية البنك المركزي من خفض قيمة العملة المصرية من 31 إلى ما بلغ 50 جنيه مقابل الدولار.
كل تلك السياسات النقدية الجديدة، والخطط التمويلية الضخمة، ساهمت في رفع تقييم العملة المصرية في ظل السياسات النقدية الحالية حيث إنها سمحت بتوحيد أسعار الصرف في البنك المركزي والبنوك المصرية، وفي السوق السوداء، مما ساهم في تعزيز خطة مصر في الصندوق الموسع لصندوق النقد الدولي من 3 مليار دولار أمريكي إلى 8 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى 7.4 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي.
تعزيز المرونة الخارجية بشرط استقرار أسعار الصرف
يتوقع أن تكون استثمارات مجموعة شركة أبوظبي التنموية القابضة ADQ، والتي تقدر بحوالي 35 مليار دولار أمريكي، مجرد حافز لمزيد من الاستثمارات الأجنبية الأخرى، التي يتوقع أن تصل في مجموعها إلى 150 مليار دولار، إذا تمكنت الحكومة المصرية من تحسين بيئة العمل، وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي بمساعدة القطاع الخاص.
ولن يتأتى ذلك إلا إذا تمكن البنك المركزي من إيجاد نظام أكثر مرونة لاستهداف التضخم، يسمح لأطراف السوق المختلفة بتحديد سعر الصرف، رغم أن هذه العملية ليست سهلة خصوصاً بعدما قام البنك المركزي المصري بخفض قيمة الجنيه في 6 مارس 2024، مما يشير إلى تدخل المركزي في قيمة العملة، بدلاً من التعويم الكامل، وهذا لا يفي بشروط البنك المركزي.
تفاقم التحديات المالية بسبب انخفاض قيمة العملة
كما أن انخفاض قيمة الجنيه بشكل حاد، أدت إلى تفاقم بعض الأزمات الداخلية، من خلال الضغط التصاعدي على الإنفاق العام، بسبب سعي الحكومة إلى تعويض الأسر عن ارتفاع أسعار السلع المحلية وعلو أسعار الفائدة في وظل انخفاض قيمة دخل الفرد، حيث رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة كالتالي:
سعر العائد على الإقراض لليلة الواحدة | سعر العائد على الإيداع لليلة الواحدة |
28.25% | 27.25% |
وجاء هذا التغيير في أسعار الفائدة بعد خفض قيمة العملة بشكل مباشر، وهو أعلى معدل فائدة من البنك المركزي، منذ مارس 2020، بنسبة 28.25%، حيث يشير هذا الارتفاع الشديد في سعر الصرف إلى اتجاه الدولة نحو تشديد السياسة النقدية، لأن رفع سعر الإقراض يرفع تكلفته على البنوك المحلية، مما يؤدي بدوره إلى رفع التكلفة على الشركات والأفراد.
كما أن ارتفاع أسعار الفائدة على الودائع، يعزز من السياسة التشددية، عن طريق تحفيز المودعين على ترك ودائعهم في البنوك، مما يسحب السيولة من السوق، ويساعد على خفض الضغوط التضخمية، للسيطرة على الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
اتفاق صندوق النقد الدولي والحكومة المصرية
توصلت حكومة جمهورية مصر العربية وصندوق النقد الدولي المصري إلى اتفاق مبدئي حول صفقة هدفها استكمال المراجعة الأولى والثانية المتأخرة لتوسيع البرنامج التمويلي البالغ 3 مليار دولار أمريكي إلى ما يصل إلى 10 مليارات دولار أمريكي مما قد يعزز قيمة الجنيه المصري في سوق الصرف.
ومن المتوقع أن ترتفع احتياجات مصر التمويلية بشكل متزايد خلال السنوات الأربع التالية، وهذا يرجع إلى التزامات سداد أكبر للقروض متوسطة وطويلة الأجل، إلا أنه توجد توقعات بزيادة في تدفقات النقد الأجنبي، بسبب قدرة الدولة على الالتزام ببرنامج صندوق النقد الدولي، مما يزيد من الفرص الاستثمارية داخل البلاد.
توقعات تقييم العملة المصرية في ظل السياسات النقدية
خفضت وكالة فيتش سوليوشنز العالمية توقعاتها نحو سعر صرف الجنيه المصري، من 30% إلى حوالي 24% بنهاية العام المنصرم، بسبب تباطؤ معدلات التضخم، منذ الاستثمارات الأخيرة، حيث انخفض معدل التضخم من 11.4% إلى 1% فقط على أساس شهري منذ مارس وأبريل من العام السابق، وإليكم أهم التوقعات الخاصة بأداء الجنيه المصري خلال الأشهر التالية:
- يرى بعض المحللين أن الجنيه المصري لديه فرصة في التعافي خلال عامي 2025 و2026، بسبب بعض الإصلاحات الحكومية التي قامت بها الحكومة.
- لكن بعض التحليلات الأخرى ترى العكس تماماً، حيث يرون أن هذا التعافي سوف يكون أبطأ مما يجب، مع احتمالية مواجهة عقبات وتحديات لا حصر لها.
- وتعزز التحليلات المتباينة من حالة عدم اليقين التي يعاني مستقبل الجنيه المصري، حيث تختلف التوقعات بحسب وجهة نظر المحلل التي يتبناها.
عوامل تقييم العملة المصرية في ظل السياسات النقدية
توجد عدة عوامل مهمة يجب أخذها في عين الاعتبار عند التعامل مع توقعات مستقبل الجنيه المصري، في وسط السياسات الاقتصادية والنقدية الجديدة للحكومة من جهة، والتحديات المحلية والعالمية من جهة أخرى، ومن أهم تلك العوامل التالي:
- نجاح الحكومة المصرية في تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من بنك النقد الدولي.
- مدى قدرة الدولة المصرية على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة.
- تحسن أداء القطاع السياحي، والصادرات كمصدر من مصادر العملة الصعبة.
- نجاح السياسات النقدية التي يتبناها البنك المركزي المصري في التأثير على التضخم وأسعار الصرف.
- استقرار الأوضاع السياسية العالمية، وأسعار النفط والغاز، وأسعار الصرف في أسواق العملات.
- استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية في مصر، ومدى تأثير ذلك على ثقة المستثمرين.
تابع المزيد: تغيرات قيمة العملة في مصر والسعودية 2025
استنتاجات تقييم العملة المصرية في ظل السياسات النقدية
بعد الاطلاع على كافة العوامل التي يمكن أن تؤثر على سعر صرف الجنيه المصري، وأدائه في مقابل العملات الأجنبية، في ظل السياسات النقدية الجديدة للحكومة المصرية، ومنها الآتي:
- لا يزال الجنيه المصري يعاني من بعض الضغوط التضخمية، ويتداول عند مستويات منخفضة للغاية.
- لا يوجد إجماع على توقعات محددة لمستقبل الجنيه المصري، في ظل عدم اليقين الذي يعاني منه الاقتصاد المصري.
- يعتمد التعافي المستقبلي للعملة المحلية المصرية على مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية.
لا يمكن تقييم العملة المصرية في ظل السياسات النقدية الحالية بشكل دقيق، لأن الحكومة المصرية تواجه تحدياً اقتصادياً جديداً، في ظل خطط تمويلية جديدة بقيمة كبيرة، وثبات مؤقت لأسعار الصرف، وتحديات داخلية كبيرة.